المركز العراقي لحقوق الإنسان: حرية الصحافة في العراق أدنى بكثير مما يجب أن تكون عليه في بلد رفع شعار الديموقراطية منذ 20 عاماً

المركز العراقي لحقوق الإنسان: حرية الصحافة في العراق أدنى بكثير مما يجب أن تكون عليه في بلد رفع شعار الديموقراطية منذ 20 عاماً

اصدر المرصد العراقي لحقوق الانسان امس تقرير بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة ٢٠٢٣، ويغطي الفترة بين (٣ آيار ٢٠٢٢ – ٢ آيار ٢٠٢٣) للانتهاكات التي ارتكبت ضد حرية الصحافة، ويتضمن التقرير شهادات حية لصحافيين غطوا الأحداث التي جرت في العراق خلال الـ١٢ شهراً الماضية.

صارت حرية الصحافة في العراق أدنى بكثير مما يجب أن تكون عليه في بلد رفع شعار الديموقراطية منذ 20 عاماً، ويكفل دستوره حق التعبير عن الرأي ويلزم السلطات بحمايته.

 

ومنذ 2003 وصولاً إلى اليوم، سُجلت المئات من حالات قتل الصحافيين وملاحقتهم واعتقالهم وحتى تغييبهم، وكذلك مداهمة مقرات وسائل إعلام وإغلاق وحرق بعضها لأسباب تتعلق بنوع تغطياتها وخطها التحريري.

 

يعمل الصحافيون في العراق في بيئة غير آمنة، وصاروا العامل المشترك الذي تستهدفه كل الأطراف المتنازعة في العراق، فالصحافة تشكل خطراً على الجماعات المسلحة والإرهابية والجماعات المتنفذة في الدولة والمتهمة بممارسة الفساد.

 

نقابة الصحافيين العراقيين التي واجبها حماية العاملين في الإعلام والدفاع عنهم وعن حقوقهم، لم تُحرِّك ساكناً إزاء الانتهاكات التي لحقت بالصحفيين. هذا مؤشر خطير تجاه النقابة، وعلى أعضائها التنبّه لمؤسستهم.

 

 

 

ترهيب وتقييد

 

واجهت مجموعة ليست بالقليلة من الصحافيين العراقيين خلال الفترة بين (٣ آيار ٢٠٢٢ – ٢ آيار ٢٠٢٣)، دعاوى قضائية رفعت من سياسيين ومؤسسات حكومية ومن أشخاص بعيدين عن السياسة. 

 

يعتبر الصحافي العراقي الدعاوى القضائية رد فعل أهون بكثير من الرصاص والسلاح والخطف، وفرصة للبقاء على قيد الحياة.

 

في (٢٦ كانون الثاني ٢٠٢٢) أعد علي عبد الكريم، وهو صحافي يعمل لصالح قناة الفلوجة الفضائية، تقريراً تلفزيونياً بعنوان بأخطاء طبية.. طبيب يقتل مراجعيه بعمليات قص المعدة. ونقل عبد الكريم في التقرير شهادتين، لوالدة المتوفي وشقيقه، ولم يذكر اسم أي طبيب أو عيادة أو مشفى.

 

لكن عبد الكريم واجه دعوى قضائية من طبيب يجري عمليات قص معدة في العاصمة بغداد، ويرفض ذكر اسمه لأسباب تتعلق بالدعوى القضائية التي رفعت ضده. هذا الطبيب وفقاً لعبد الكريم، اتهمه بالتشهير به وتسقيطه في تقريره التلفزيوني، رغم أن التقرير لم يذكر اسم أي شخص أو عيادة أو مشفى.

 

قال عبد الكريم خلال شهادته للمرصد العراقي لحقوق الإنسان: “في (١٩ شباط ٢٠٢٣) ذهبت إلى أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق بسبب دعوى قضائية رفعت ضدي وضد القناة بسبب التقرير التلفزيوني الذي عملت عليه قبل عام من الآن، وتضمن التقرير مناشدة عائلة توفي ابنها نتيجة خطئاً طبياً عندما كان يجري عملية تكميم المعدة (قص المعدة)”.

 

وأضاف: “في التاسعة صباحاً من يوم (١٩ شباط ٢٠٢٣) ذهبت إلى مركز شرطة (بختياري) في محافظة أربيل بعد اطلاعهم على الشكوى المرفوعة ضدي وأخذ إفادتي ثم حولوني إلى المحكمة ومع تكبيل يدي بالأصفاد واصطحبني ثلاثة رجال أمن قبل أن أدخل إلى القاضي الذي سألني عن الدعوى وما هو جوابي فقلت له بأنني لم أستهدف الطبيب ولم أذكر اسمه ولا اسم المكان الذي يعمل فيه”.

 

وتابع عبد الكريم: “عندما خرجت من المحكمة، كنت مكبلاً أيضاً بالأصفاد، والناس ينظرون إلي وكأنني ارتكبت جرماً، وأعادوني إلى المركز وأدخلوني الزنزانة مثل أي مجرم بانتظار قرار القاضي الذي جاء بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة وأخرجني بكفالة مع إكمال متطلبات الدعوى وأخذوا بصمات يدي في دائرة الأدلة الجنائية بانتظار موعد المحاكمة النهائي”.

 

لم يذكر الصحافي علي عبد الكريم اسم الطبيب الذي رفع الدعوى القضائية ضده، لكن محامي الطبيب اعتمد على تعليقات المواطنين ومشاركاتهم للتقرير التلفزيوني، وبالتالي لا يتحمل الصحافي أي تبعات قانونية على ما كتبه الناس في صفحة عامة متاح للجميع التعليق عليها.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “القانون العراقي لا يُعاقب شخصاً على ما كتبه أو فعله غيره، لذا فإن الدعوى التي رفعت ضد الصحافي علي عبد الكريم، فيها تجنٍ ومحاولة ترهيب للصحافيين لعدم نقل معاناة المواطنين، خاصة تلك التي تتعلق بالأخطاء الطبية والاستغلال الطبي”.

 

يكفل الدستور العراقي في المادة (٣٨) ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “لا يمكن أن تُقيد حرية الصحافة بدعاوى قضائية تخلو من المخالفات القانونية”.

 

وتواصل المرصد العراقي لحقوق الإنسان مع محامية عبد الكريم، التي قالت إن “القضية التي رفعت ضده وفق المادة التاسعة من قانون قانون رقم (35) لسنة 2007 قانون العمل الصحفي في كوردستان العراق”.

 

وتعاقب المادة كل من “زرع الأحقاد والكراهية، وأهان المعتقدات الدينية والرموز والمقدسات الدينية، وما كل ما يتصل بأسرار الحياة الخاصة للأفراد، أو السب والقذف”. ولم يرتكب الصحافي علي عبد الكريم أي من هذه المخالفات القانونية، بل نشر تقريراً صحافياً لم يسيء فيه لأحد.

 

قال مسؤول قسم الحريات الصحافية في المرصد العراقي لحقوق الإنسان وسام الملا، إن “ما تعرض له الزميل علي عبد الكريم مراسل قناة الفلوجة كان خطيراً جداً، خاصة بعد تقييد يديه واقتياده إلى السجن وتوقيفه بدون وجود إدانة واضحة، وهذا يعني بالنسبة لنا محاولة لتكميم أفواه الصحافيين وتقييد عملهم”.

 

وأضاف أن “التقرير الذي أعده عبد الكريم لم يتضمن اتهاماً للطبيب، ولم يذكره ولم يذكر اسم أي مؤسسة، وهو تقرير تناول موضوعاً خطيراً يتعلق بأرواح المواطنين”.

 

وأشار مسؤول قسم الحريات الصحافية في المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى أن “الخطورة تكمن في عدم التزام محاكم أربيل بما وجه به رئيس مجلس القضاء الأعلى بعدم توقيف أي صحفي واتباع الآليات القانونية في استقدامه.

وفي (٢٧ شباط ٢٠٢٣) أبلغ علي عبد الكريم المرصد العراقي لحقوق الإنسان، بأن القضية التي رفعت ضده أغلقت من قبل قاضي التحقيق لعدم وجود ما يدين الصحافي الذي أعد تقريراً عن الأخطاء الطبية.

 

وفي (١١ آب ٢٠٢٠) وجه رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان، بضرورة التعامل بدقة مع الشكاوى التي تقدم بحق الصحافيين وذكر في كتاب رسمي وجه إلى المحاكم العراقية أن “طرق الإجبار على الحضور بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (۲۳) لسنة ۱۹۷۱ تبدأ أولاً بالمادة (۸۷) والمواد التي تليها بإصدار ورقة تكليف بالحضور للمشكو منه”.

 

وفي (١٩ آيار ٢٠٢٢) رفع رئيس تحالف “الفتح” هادي العامري دعوى قضائية ضد مقدم البرامج في قناة العراقية مصطفى الربيعي، واتهمه بـ”التشهير” وفقاً للمادة (٤٣٤) من قانون العقوبات العراقي.

 

وكتب الربيعي في حسابه على الفيس بوك: “سأمثل أمام القضاء العراقي، بسبب دعوى قضائية مقدمة شخصياً من قبل السيد هادي العامري وفق المادة (٤٣٤) من قانون العقوبات العراقي. أنا مع الممارسات القانونية وكلي ثقة بالقضاء العراقي، وأن اللجوء إلى القضاء هو ممارسة حرة”.

 

في (١ حزيران ٢٠٢٢) أوقفت شبكة الإعلام العراقي المملوكة للدولة العراقية برنامج (المحايد) الذي يقدمه الإعلامي سعدون محسن ضمد على خلفية استضافة الكاتب السياسي سرمد الطائي وانتقاده لمجلس القضاء الأعلى.

 

وفي (١٦ حزيران ٢٠٢٢) رفع رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي دعوى قضائية ضد قناة التغيير ومقدم البرامج فيها نجم الربيعي بسبب استضافته السياسي مشعان الجبوري الذي هاجم وانتقد رئيس مجلس النواب خلال استضافته في القناة.

 

ووجه رئيس مجلس النواب العراقي في الشكوى التي قدمها ممثله اتهامات لمقدم البرامج نجم الربيعي بـ”التحريض والمساس بالأمن والسلم المجتمعيين” وذات الاتهام وجه إلى الضيف السياسي مشعان الجبوري. 

 

وفي (٢٠ آذار ٢٠٢٣) أعلن عن رفع دعوى قضائية ضد قناة (آي نيوز) ومراسلتها إسراء خالد من قبل مديرية مكافحة الإجرام في وزارة الداخلية العراقية بتهمة “التشهير” بسبب تقرير بثته القناة يتطرق إلى وجود مشكلات وفساد في المديرية.

وفي (١٩ شباط ٢٠٢٣) رفعت دعوى قضائية ضد مقدم البرامج في قناة (UTV) عدنان الطائي بتهمة “إثارة النعرات الطائفية” بعد أن تطرق خلال حلقة برنامجه الذي بث في (١٣ شباط ٢٠٢٣) إلى المنشد الديني باسم الكربلائي وتساءل: “ألا تعتبر بعض أناشيده الدينية مثيرة للنعرات الطائفية، وألا يُحاسبه القانون”.

وقال عدنان الطائي خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “تلقيت الكثير من التهديدات، لا يمكن لأحد أن يتصورها. أتوقع لو أنهم مسكوني لقطعوني إرباً”.

وعن الدعوى القضائية التي رفعت ضده قال الطائي: “أنتظر قرار القضاء العراقي، لدي ثقة بالقضاء، ويجب على القضاء أن يستند إلى أدلة ووقائع قانونية”.

وخلال الشكوى التي قدمها أحد المحامين ضد عدنان الطائي، اتهمه بـ”أن تساؤله كان سبباً في الهجمة الإرهابية التي شهدها قضاء الطارمية شمالي بغداد في (١٦ شباط ٢٠٢٣)”.

في (٢٩ آب ٢٠٢٢) اعتقل كادر قناة الجزيرة الذي كان يغطي أحداث المنطقة الخضراء التي شهدت احتجاجات ومواجهات مسلحة بين قوات سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقوات من هيئة الحشد الشعبي التابعة للدولة وفصائل أخرى تابعة لقوى سياسية، كما اعتقل كادر قناة الرشيد الفضائية في ذات الوقت.

 

 

 

الجناة يفلتون من العقاب

 

يعاني العراق منذ عقدين من ظاهرة الإفلات من العقاب للجناة الذين ارتكبوا جرائم ضد الصحافيين العراقيين، حيث قتل ٤٧٥ صحافياً وعاملاً في مجال الصحافة منذ عام ٢٠٠٣ ولم يُحاسب الجناة سوى على حالة قتل الصحافي أحمد عبد الصمد في (١٠ كانون الثاني ٢٠٢٠) في محافظة البصرة. هذا يعني أن مؤشر الإفلات من العقاب في العراق مرتفع بشكل كبير ويضع العراق من ضمن البلدان التي تشكل أكثر خطورة على العمل الصحافي.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان  إن مؤشر المخاطر والتهديدات التي تطال صحافيين ووسائل إعلام عاملين في العراق، عاود الارتفاع من جديد بعد تهديدات واستهدافات طالت صحافيين ووسائل إعلام.

 

لم يعد مستغرباً أن تقف السلطات العراقية موقف المتفرج من كل ما يحدث للصحافيين ووسائل الإعلام في العراق، فلطالما كانت السلطات سبباً في إفلات الجناة من العقاب وازدياد العنف المرتكب ضد الصحافيين.

 

في (٢٤ تموز ٢٠٢٢) داهمت قوة أمنية مقر قناة البغدادية في شارع أبو نؤاس وسط العاصمة بغداد على خلفية دعوى قضائية كسبتها هيئة الإعلام والاتصالات ضد القناة، واستخدمت القوة الأمنية العنف ضد العاملين في القناة.

 

في (٣٠ آب ٢٠٢٢) أصيب مراسل قناة الميادين عبد الله البدران خلال تغطيته الاحتجاجات على أسوار المنطقة الخضراء، وانفجرت قنبلة صوتية تحت قدميه وتسببت له بجروح نقل على إثرها إلى المستشفى.

 

في (٣٠ أغسطس ٢٠٢٢) أصيب مراسل قناة دجلة الفضائية مصطفى لطيف الذي كان يغطي الاشتباكات المسلحة على أسوار المنطقة الخضراء، كما أصيب مصور ومراسل وكالة شفق نيوز.

 

في (١٨ شباط ٢٠٢٣) تعرض مقر قناة UTV المملوكة لرجل الأعمال والسياسي خميس الخنجر إلى استهداف بقنبلة يدوية في شارع النضال في العاصمة بغداد. وتتخذ القناة من العاصمة التركية إسطنبول مقراً رئيسياً.

 

وأعلنت القناة استنكارها لما تعرضت له من استهداف، وأكدت أنها “تنتهج خطاباً معتدلاً في تغطياتها” ودعت قناة UTV القوات الأمنية إلى توفير الحماية لمقرها في بغداد والتحقيق بالحادثة التي تعرضت لها.

 

هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها قناة UTV إلى الاستهداف، ففي (٤ أيلول ٢٠٢٠) تعرضت القناة إلى تهديد بالحرق بعد أن “اتُهمت باستهداف المرجعية الدينية الشيعية”. وفي (٢٨ تشرين الأول ٢٠٢١) تعرضت القناة إلى التهديد أيضاً بعد أن وصلت مجموعة مسلحين وسلمت القناة “قداحة نار وتهديدات بالحرق”.

 

وقبل ذلك في (١٧ شباط ٢٠٢٢) تعرضت القناة إلى تهديدات جديدة بعد أن اتهمها أنصار الحشد الشعبي بـ”الإساءة إلى القيادي في الحشد عبد العزيز المحمداوي المعروف باسم (أبو فدك).

 

لا يمكن ضمان سلامة الصحافيين ووسائل الإعلام العاملة في العراق مهما كانت مساحة حرية التعبير متاحة، ومهما كان هناك استقراراً في موقف السلطات والقِوى السياسية والمسلحة تجاه حرية الصحافة، إلا أنه استقراراً هشاً ويُمكن أن ينتهي في أية لحظة.

 

لم تعمل حكومة محمد شياع السوداني التي نالت ثقة مجلس النواب العراقي في (٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٢) على حماية الصحافيين ووسائل الإعلام، وانتهجت نهجاً مطابقاً للحكومات السابقة وهو الصمت على الاعتداءات التي تتعرض لها حرية الصحافة والصحافيين، ما لم تكن شريكة فيها.

 

في (٢ تشرين الثاني ٢٠٢٢) حث المرصد العراقي لحقوق الإنسان حكومة محمد شياع السوداني على التحقيق في عمليات قتل الصحافيين العراقيين الذين قتلوا خلال السنوات الماضية دون أية محاسبة للجناة وألا تنتهج حكومته ذات النهج الذي كانت عليه الحكومات السابقة، لكن لا بوادر واضحة على أي تحركات.

 

وفي (١٧ شباط ٢٠٢٣) أبلغ مدير مكتب قناة العراقية (شبه الرسمية) في بيروت أمين ناصر المرصد العراقي لحقوق الإنسان بتلقيه تهديدات بالقتل وقال: “فجر يوم ١٧ شباط وردني اتصال من رقم هاتف عراقي وقال لي أينما تكون سنقطعك، إن كنت في بيروت أو بغداد”.

 

وأضاف: “سألته لماذا تهدد، هل هناك علاقة بيننا، من أنت؟ فتصاعد الصراخ بيننا. أرسلت الرقم للأجهزة الأمنية العراقية، وأبلغتني بضرورة تقديم بلاغ رسمي. هذه المرة الثانية التي أتعرض فيها للتهديد خلال ثلاثة أشهر، وهناك قادة أمنيين يعلمون بالأمر بعد أن أبلغتهم به”.

 

يتنقل أمين ناصر بين بغداد وبيروت، ويشارك في مجموعات الواتساب في نقاشات حادة مع سياسيين ومسؤولين، ويكتب بشكل مستمر على حسابه في الفيس بوك عن فساد مسؤولين عراقيين، خاصة الذين يقيمون بين بغداد وبيروت، ويتناول في بعض الأحيان معلومات عن ملفات أمنية حساسة تتعلق بإرهابيين كِبار أو شخصيات متنفذة مطلوبة للعدالة.

 

وفي (٢ شباط ٢٠٢٣) كان الإعلامي جعفر عبد الكريم الذي يقدم برنامج (جعفر توك) لصالح قناة DW الألمانية في العاصمة العراقية بغداد لتصوير حلقة تلفزيونية تتحدث عن (الاحتجاجات – الفساد – حقوق المرأة) وفقاً لما أبلغ به المرصد العراقي لحقوق الإنسان.

 

لكن عبد الكريم اضطر إلى إلغاء الحلقة رغم التحضيرات المكتملة من إعداد ضيوف وموقع تصوير، قبل أن يغادر العاصمة العراقية عائداً إلى ألمانيا.

 

قبل وصوله إلى العراق، واجه جعفر عبد الكريم حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تهاجمه بسبب ما يتناوله في برنامجه من قصص تعتبر “محرمة” في المجتمع العراقي، ويتهم بـ”الترويج للمثلية الجنسية”. وهددته حسابات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

ونقل موقع DW عن جعفر عبد الكريم قوله: “فجأة طلبت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية التابعة للدولة تصريحاً خاصاً من الفريق لتصوير الحلقة، رغم أن مثل هذه التصاريح يقدمها ويحصل عليها شركاء مؤسسة DW في العراق”.

 

وذكر موقع DW في بيانه الاستنكاري حول الحادثة: “زار ممثل عن وزارة الداخلية مساء الأربعاء (١ شباط ٢٠٢٣) الفندق الذي يسكن فيه فريق برنامج (جعفر توك). وبحسب المعلومات الواردة إلى مؤسسة DW أبلغ الإعلامي جعفر عبد الكريم بأنه لم يعد مسموحا له تصوير الحلقة من دون الحصول على تصريح خاص، وبأنه سيتعرض للاعتقال في حال قيامه بالتصوير. كما أن الحكومة لا يمكنها ضمان سلامته”.

 

وقال جعفر عبد الكريم إن “ما حدث كان إجراءً تعسفياً ضده وفريق عمله. قبل يوم من التصوير كانت تطرح مطالب جديدة علينا وتفرض قيود جديدة كل ساعة”.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن على السلطات العراقية توفير الحماية للصحافيين العراقيين والأجانب العاملين في البلاد، وألا يسمحوا بتحويل العراق إلى بيئة غير آمنة بشكل تام للعمل الصحافي، وأن تحافظ مؤسسات الدولة على حرية الصحافة باعتبارها العامود الفقري لأي نظام ديموقراطي.

  

تسمح إجراءات السلطات العراقية في إفلات الجناة من العقاب، فغياب حرية الصحافة سيحول البلاد إلى سجن كبير مهما كان الحديث واسعاً من قبل القِوى السياسية والمتنفذين عن وجود ديموقراطية أو وجود مساحة لحرية التعبير، فالمؤشرات هو ما موجود على أرض الواقع.

  

قال تحسين طه وهو صحافي عراقي يعمل لصالح قناة (العربي) خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “وجود مظلة سياسية وغطاء للمتورطين بالجرائم ضد الصحافيين هي التي تحول دون تحقيق العدالة بحق مرتكبي هذه الجرائم فضلاً حتى عن عدم إمكانية اعتقالهم”.

 

وأضاف أن “الإفلات من العقاب ساعد في اتساع رقعة الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. السلطات العراقية تتعرض لضغوط سياسية تسهم في إفلات الجناة من العقاب. لا يمكن أن تكون هناك ديموقراطية في العراق دون تمكين حقيقي للسلطة الرابعة ونقل الحقائق إلى الجمهور، لذا من الضروري توفير الحماية القانونية للصحافيين للوقوف بوجه الجرائم المرتكبة ضدهم”.

 

وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والتعليم (اليونسكو) فإن أكثر من ٩٥٠ صحافياً في العالم قتلوا منذ ٢٠١٢، وأفلت تسعة جناة من كل عشرة جرائم. قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن العراق من البلدان التي تتصدر عمليات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين.

 

قالت الصحافية نور إبراهيم التي تعمل لصالح قناة (البينة الجنوبية) خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “الكثير من الصحافيين فقدوا حياتهم نتيجة الكتابة عن قصص تتعلق بالفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان عندما حاولت جهات ما إسكاتهم عن طريق التهديد أو الاغتيال. يجب على الحكومة أن تكون سنداً للصحافي لممارسة عمله وليكون بعيداً عن رصاصات الغدر”.

 

وأضافت أن “الكثير من الجرائم سجلت ضد جهات مجهولة الهوية، لذا نطالب بالكشف عن تلك الجرائم ومرتكبيها لتكون عبرة للجهات التي تحاول أن تقف بوجه العمل الصحافي واغتيال الصحافيين”.

 

يسعى المرصد العراقي الإنسان منذ سنوات مع شركاء محليين ودوليين للعمل على إنهاء الإفلات من العقاب ضد الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، لكن الحكومات العراقية السابقة لم تتجاوب ولم تسع إلى المساعدة في ذلك، لذا نطالب الحكومة الجديدة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأن توقف هذا الإفلات الذي يزيد من الانتهاكات والجرائم التي ترتكب ضد الصحافيين.

 

قال الصحافي ذو الفقار الخفاجي الذي يعمل لصالح قناة (العهد) الفضائية في محافظة بابل: “تعرضت لمحاولة اغتيال في الخامس من أيلول ٢٠٢٢، أطلقت مجموعة مسلحة النار عليّ عندما وصلت لمنزلي، كان إطلاق النار على مسافة ٥٠ متر تقريباً، لكنني تمكنت من النجاة. تعرضت لمجموعة تهديدات قبل هذه المحاولة. أقمت دعوى قضائية لكن للأسف حتى هذه اللحظة لا يوجد أي إجراء، وطلبوا مني تقديم أسماء من حاول اغتيالي، وهذا صعب كيف أعرفهم”.

 

وأضاف أن “المجرمين الذين يقومون بهذه العمليات ينتمون لجهات ظلامية منظمة تستهدف وتقتل بشكل منظم، وهذه هي الجهات التي توفر لهم الحماية من القانون”.

 

وتابع: “قبل محاولة الاغتيال بخمسة أيام أبلغتني جهات أمنية بعمليات تهديد وخطر عليّ، وهذه ثالث محاولة اغتيال، الأولى كانت عام ٢٠١٥ والثانية كانت عام ٢٠١٩”. 

 

قال الصحافي علي عبد الكريم الذي يعمل لصالح قناة (الفلوجة) خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان: “نحتاج إلى وقفة أمنية وجادة من قبل المؤسسات المعنية بحقوق الصحافيين. الكثير من الذين انتهكوا حرية الصحافة في العراق لم يُحاسبوا وهذا دليل على عدم اهتمام الدولة. على الحكومة الجديدة الاهتمام بالصحافيين أكثر والحفاظ على حياتهم”.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن الصحافيين في العراق يواجهون مخاطر عديدة ترتقي أغلبها إلى جرائم تُسجل ضد “مجهول”. سهلت الحكومات العراقية السابقة عمليات الإفلات من العقاب، وكانت تكافئ الجناة على الجرائم التي يرتكبونها ضد الصحافيين.

 

قال الصحافي إبراهيم المحمود الذي يعمل لصالح قناة (آي نيوز) إن “الصحافي عندما يذهب في مهمة صحافية يتعرض لتهديدات من عشائر أو من الجهات التي قد تتضرر من كشف ملفات الفساد، وهذا ما حدث في عموم العراق. ماذا قدم القضاء العراقي والقوات الأمنية للجناة؟

 

وأضاف أن “اللجان التحقيقية التي شكلت لم تأتِ بنتائج، يجب أن يكون هناك قانون يحمي الصحافيين من القتل والتهديد. الحكومات العراقية تريد من الصحافيين نقل إنجازاتها فقط، لكن عندما يتعرض أي صحافي لمخاطر لا تساعده ولا تحميه”.

 

أسهمت أساليب الحكومات العراقية السابقة في خلق بيئة آمنة للجناة الذين ارتكبوا جرائم ضد الصحافيين العراقيين. إن عمليات التساهل والتهاون والتغطية لأسباب سياسية وشخصية على بعض الجناة، أتاح لمرتكبي هذه الجرائم فرصة عدم المحاسبة على ما ارتكبوه.

 

قال الصحافي يوسف سلمان الذي يعمل لصالح وكالة (نينا) للأنباء خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “الدور الذي يقوم به الصحافي العراقي في تقصي الحقائق عن ملفات الفساد كبير وخطر في ذات الوقت. هناك عمليات استهداف منظمة حدثت للصحافيين الذين يعملون على كشف ملفات الفساد. جرائم قتل الصحافيين أصبحت ضمن الأخبار اليومية. يجب أن تكون هناك جدية للحكومات في عدم السماح للجناة بالإفلات من العقاب”.

 

قال محمد فراس وهو صحافي يعمل لصالح قناة (التغيير) إن “الصحافي هو السلطة الرابعة في أي بلد، حتى وإن كانت الدولة لا تعترف بهذه السلطة. ازدياد الجرائم ضد الصحافيين والتساهل في محاكمة مرتكبيها، هو عمل في صالح الأحزاب والقوى التي لا تريد للصحافي أن يقوى. الأحزاب لا تريد للصحافيين أن يقووا، لذا فإن السكوت على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين يضعف الصحافة ويقوي الجناة. على الفاعلين السياسيين الوقوف إلى جانب الصحافي، السياسي أو المسؤول الحكومي غير المشترك في عمليات الفساد والقتل لا يخشى من الصحافة”.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن حكومة محمد شياع السوداني أمام فرصة للإيفاء بالتزاماتها بشأن حماية حقوق الإنسان، وعليها أن تفي بكل وعد قطعته، وكذلك إنهاء حالة الإفلات من العقاب على الجرائم التي ترتكب ضد الصحافيين العراقيين، فمسؤوليتها توفير الحماية لهم. إن الفرصة سانحة لمحاسبة مرتكبي الجرائم.

 

 

منع من التغطية

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن الدائرة الإعلامية في مجلس النواب العراقي، منعت مجموعة وسائل إعلام وصحافيين من دخول مبنى المجلس لتغطية جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

 

وأبلغت مجموعة من الصحافيين العراقيين الذين يغطون جلسات مجلس النواب العراقي بأن المجلس منعهم من دخول جلسة مجلس النواب الخاصة بانتخاب الرئيس بحجة “اقتصار التغطية على مجموعة محددة من وسائل الإعلام”.

 

ومنعت الدائرة الإعلامية في المجلس دخول مجموعة وسائل الإعلام كانت قد حضرت لتغطية جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، من بينها قناة الميادين وفقاً لمدير مكتبها عبد الله بدران.

 

وقال بدران خلال اتصال هاتفي مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “أبلغتنا الدائرة الإعلامية في مجلس النواب من الدخول لجلسة اليوم”.

 

وأضاف: “نحن الآن أمام باب مجلس النواب مع مجموعة وكالات وفضائيات بعد أن أبلغهم المجلس أن الدخول اقتصر على مجموعة وسائل إعلام”.

 

كما منع محمد عماد مراسل وكالة بغداد اليوم وقال: “أرسلت تخويلاً باسمي لدخول الجلسة، ثم ردّ المجلس عليّ برسالة (نعتذر، لا يمكنكم الدخول لهذا اليوم)”.

 

وتواصل عماد مع الدائرة الإعلامية وأبلغهم أنه يحتاج إلى تغطية جلسة اليوم، فأبلغوه بأن الحضور لن يكون للجميع، وستحضر مجموعة محددة من وسائل الإعلام المحلية فقط، وفقاً لقوله.

 

قال صباح اللامي رئيس قسم خدمات الشرق الأوسط في وكالة AP “ليس فقط وكالتنا لم تدخل مبنى البرلمان، وإنما مجموعة من الصحافيين المتواجدين في بوابة تقاطع التشريع مقابل فندق الرشيد. أتوقع أن ما حدث ليس منعاً، بل عدم وجود تنسيق، فالسماح بالدخول كان فقط من بوابة موقف العجلات من جهة مبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهذا مقتصر على حاملي بطاقة دخول المنطقة الخضراء”.

 

وأضاف: “من المفترض أن يكون الدخول من المنفذين كون الكثير من الإعلاميين لا يحملون هوية دخول المنطقة الخضراء”.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن على الدائرة الإعلامية في مجلس النواب، إيجاد آلية أكثر تنسيقاً مع وسائل الإعلام لتغطية جلسات المجلس، وألا تقتصر التغطية على وسائل إعلام محددة، فقد يخلق ذلك.

 

طالب المرصد العراقي لحقوق الإنسان الحكومة العراقية بتوفير الحماية العاجلة لقناة الرابعة الفضائية والعاملين فيها بعد اقتحامها من قبل مجموعة من أتباع التيار الصدري.

 وناشد موظفون يعملون في قناة الرابعة المرصد العراقي لحقوق الإنسان لتوجيه نداء إلى الحكومة التي يحتم عليها واجبها منع كل أعمال العنف، وتوفير الحماية لوسائل الإعلام التي تعتبر العامود الفقري لأي نظام ديموقراطي.

 وأظهرت مقاطع الفيديو اقتحام المتظاهرين الغاضبين مبنى القناة في منطقة الكرادة، وتحطيم أجهزتها وعدم قدرة القوة المكلفة بحمايتها على منعهم من ذلك.

 إن اختلاف الرأي يجب ألا يواجه بالعُنف والتهديد، بل بالرأي الآخر، وهذا ما كفله الدستور العراقي في المادة الـ38.

 كما أن على القوى السياسية ألا تستخدم جمهورها في إسكات أصوات المختلفين عنهم، بل مواجهتهم بالرأي، خاصة وأن المنصات الإعلامية باتت أكثر وغير مقيدة وغير مقتصرة على طرف دون آخر.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان في (١ أيلول ٢٠٢٢) إن كل أطراف النزاع الذي جرى في المنطقة الخضراء في التاسع والعشرين والثلاثين من آب ٢٠٢٢، اعتبرت الصحافيين ووسائل الإعلام عدوة لها واستهدفتهم بشكل مباشر وبعض حالات الاستهداف كادت أن تودي إلى مقتلهم.

 

وثق المرصد العراقي لحقوق الإنسان شهادات ثمانية صحافيين ميدانيين كانوا يغطون الاحتجاجات والاشتباك المسلح على مدى يومي التاسع والعشرين والثلاثين من آب ٢٠٢٢، وأكدوا خلال شهادات للمرصد أنهم استهدفوا بشكل مباشر من قبل محتجين ومسلحين مع المحتجين وكذلك عناصر أمن وعناصر آخرين كانوا بزي أسود من دون شارات تعريفية.

 

نقابة الصحافيين العراقيين، التي واجبها حماية العاملين في الإعلام والدفاع عنهم وعن حقوقهم، لم تُحرِّك ساكناً إزاء الانتهاكات التي لحقت بالصحفيين. هذا مؤشر خطير تجاه النقابة، وعلى أعضائها التنبّه لمؤسستهم.

 

 

“أخذوا كاميراتي وأموالي التي في جيبي”
 

تؤكد هذه الأحداث والشهادات ما ذهب إليه المرصد العراقي لحقوق الإنسان في تقريره الذي نشره في الثالث من آيار 2022 في اليوم العالمي لحرية الصحافة، والذي أشار فيه إلى تنامي نفوذ أعداء حرية الصحافة في العراق. ويبدو أن قاعدة أعداء حرية الصحافة تتسع في العراق في وقت تشهد البلاد حالات إفلات من العقاب لكل مرتكبي الانتهاكات.

 

أظهر مقطع فيديو لمصور وكالة الأسوشيتد برس هادي مزبان ونشر على صفحة المرصد العراقي لحقوق الإنسان على الفيس بوك، كيف أنه تعرض لاعتداء بالضرب من قبل قوة العمليات الخاصة. وقال خلال مقطع الفيديو: “أخذوا كل شيء مني وضربوني وأخذوا كاميراتي وأموالي. ضابط برتبة مقدم اعتدى عليّ”.

 

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “عناصر الأمن ما زالوا يتعاملون مع الصحافيين بطريقة غير محترمة. يمعنون في إهانتهم والاعتداء عليهم. لدى بعض عناصر الأمن في العراق فكرة سيئة عن الصحافة تفضي إلى اعتداءات كبيرة ومتكررة”.

 

 

“شظايا قذيفة الهاون استقرت في وجهي”

قال مصطفى لطيف وهو مراسل قناة (دجلة) الفضائية خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “في الساعة 12:00 من ظهر يوم الثلاثاء شرعنا ببدء تغطيتنا الاعتيادية للأحداث الأخيرة التي جرت في بغداد. كنا نتواجد بتقاطع التشريع (إحدى بوابات مجلس النواب) تحديدا، أي بالقرب من مركز شرطة الصالحية ونحن نرصد المواجهات بين المعتصمين والقوات داخل المنطقة الخضراء”.

 

وأضاف: “تعرضنا لهجوم بقذائف الهاون، أصبت بمنطقة الوجه والرقبة وما تزال لحد هذه اللحظة الشظايا مستقرة في وجهي. نقلت على إثرها إلى مستشفى الكرامة. بعد ذلك نقلوني إلى مستشفى الكاظمية وهناك كشفوا عن حالتي الصحية وأبلغوني أنها مستقرة مع المراقبة الدورية لحين إخراج الشظايا”.

 

تنص المادة التاسعة من قانون حماية الصحافيين لسنة 2011 على أن: “يعاقب كل من يعتدي على صحفي أثناء تأدية مهنتـه أو بسبب تأديتها بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف أثناء تأدية وظيفته أو بسببها”.

 

 

 

“الرصاص الحي يخطف من أمامنا”

قال بدر الركابي وهو مراسل قناة (التغيير) الفضائية: “تعرضت والزميل المصور عبد الله عبد الكريم إلى الضرب بالعصي والشتم والسب وتهديدنا بالسلاح وكسروا معدتنا وأجهزتنا من قبل قوة لا نعرف إلى أي جهة تنتمي وهي ترتدي ملابس سوداء مع لثام على الوجه. كل ذلك لأننا صحافيين ننقل الأحداث ونغطي التطورات الحاصلة”.

 

وأضاف: “وبعد خروجنا من القصر الحكومي إلى البرلمان بصعوبة بالغة من بين وابل الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع التي كانت توجه بشكل مباشر وليس في السماء على المتظاهرين ونحن نسير بوسطهم، كنا نتوقع إننا سنصاب في أي لحظة لأن أصوات الرصاص الحي تخطف بجوارنا وقنابل الغاز تنفجر بالقرب منا ونحن نشاهد تساقط بعض المتظاهرين الذين كانوا يركضون بالقرب منا”.

 

“حاولنا الاستنجاد بالجيش مع نفاد طاقتنا وعدم قدرتنا على الركض أكثر، لكنهم امتنعوا عن تقديم المساعدة لنا نتيجة لإصرار هذه القوة على أن تبعد المتظاهرين وتوصلهم إلى البرلمان بالقوة. وبعد وصولنا إلى البرلمان تدهورت حالتنا الصحية نتيجة استنشاقنا الغاز المسيل للدموع الذي كان يُضرب علينا فنقلنا إلى اقرب مستشفى ووضع الأوكسجين لنا مع تقديم الإسعافات الأولية” يضيف بدر الركابي.

 

 

قال وسام فليح ر وهو مصور قناة (كوردسات) الفضائية خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “تعرضنا أنا وزميلي بيستون عبد السلام لاعتداء من قبل المتظاهرين اعتدوا علينا عندما كنا في البث المباشر وشتمنوا وقالوا إنكم قناة تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني. خرجنا من هناك وجاءت مجموعة أخرى وانهالت علينا بالضرب أيضاً، ولم ينتهِ ذلك إلا بعد أن تدخلت قوة أمنية رسمية. حدث ذلك بداية المواجهات المسلحة، أي بين الساعة الخامسة والسادسة عصراً”.

 

وأضاف: “في الساعة الثامنة مساءً كنا أيضاً في بث مباشر في منطقة العلاوي وجاءت مجموعة أخرى من المحتجين وشتمتنا أيضاً وانهالت علينا بالضرب”.

 

 

“قوة ترتدي الزي الأسود أبرحتني ضرباً”

قال منتظر جعفر وهو مصور قناة (روداو) خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “كنت وزميلي هلكوت عزيز مراسل القناة في التغطية ودخل المتظاهرون إلى القصر الحكومي وكنا في بث مباشر. عندما دخل المتظاهرون القصر الحكومي بدأ الهجوم عليهم من القوات الأمنية. انسحب المتظاهرون من منفذ واحد ونحن انسحبنا معهم. عندما خرجنا من القصر كانت هناك قوة ترتدي الزي الأسود، سحبت جميع معداتي وأبرحوني ضرباً. تركتهم وذهبت هرباً”.

 

وأضاف: “كان الكادر الثاني للقناة ويضم الزميلين حيدر دوسكي وهجار خورشيد قد تعرض للاعتداء أيضاً، وصودرت أجهزته بما فيها كومبيتور محمول نوع (ماك بوك). ضربوهم بشكل كبير دون أي ذنب”.

 

 

“قنبلة صوتية فطرت ساق مراسلنا”

قال علي عبد الكريم وهو مراسل قناة (الفلوجة) الفضائية خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “اثنان من زملائنا في القناة وهما سيف علي وحسن الخفاجي أصيبا بجروح خلال تغطية الاحتجاجات. عندما اندلعت المواجهات ركضا هرباً، وأثناء محاولت سيف الهرب انفجرت قنبلة صوتية عليه. لديه الآن مشكلة في أذنه الوسطى، وفطر في ساقه”.

 

وأضاف: “أما حسن فحوصر من قبل قوة أمنية داخل القصر الحكومي. هذه القوة ترتدي الزي الأسود وغير معروفة الانتماء وكسرت الكاميرا وبقية الأدوات وشتموهما وانهال خمسة أشخاص بالضرب على حسن”.

 

أما كادر قناة (الجزيرة) التي كان مراسلها سامر يوسف على الهواء مباشرة داخل القصر الحكومي، فهاجمه مسلحون يرتدون الزي الأسود ويتبعون الفرقة الخاصة. تعرضوا للضرب بالهراوات وواجهوا خطر الرصاص الحي، وفقاً لصحفي كان يشاهد ما يتعرضون له. هذا الصحفي قال خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “السيارة التي كانت تقلهم ساعدتهم على الاحتماء لأنها كانت مضادة للرصاص”.

 

“حاولت قوة أمنية إيقاف السيارة ونجحت في ذلك، وأرادت جر السائق إلى خارج السيارة، ولم يتمكن الكادر من الفرار منهم قبل أن يسلمهم الكاميرات ومعدات التصوير. وحتى خلال هربهم واجهتهم قوة أخرى وهاجمت السيارة” يضيف الزميل الذي كان شاهداً على ما حدث لقناة الجزيرة.

 

 

“كسر في يد مراسل وتمزق في يد مصور”

 

قال حيدر الشيخ وهو مراسل وكالة (شفق نيوز) خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “في تمام ساعة 16:22 من مساء الاثنين وأثناء تغطية اقتحام أنصار التيار الصدري قصر الجمهورية ومحاولتهم عبور الجسر المعلق للوصول إلى الجادرية واعتصام جماهير الإطار التنسيقي حدث إطلاق نار على الجسر المعلق وأصبت بطلق مطاطي بيدي، وسقطت على الأرض ونقلت إلى المستشفى”.

 

وأضاف: “تبين خلال الأشعة أنني مصاب بكسر في يدي، وعلى إثر ذلك عالجوني بتجبيرها. كانت لحظات عصيبة جداً”.

 

أما كمال رعد وهو مصور قناة (دجلة) الفضائية فقال خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “كنا في البث المباشر قرب مركز شرطة الصالحية أمام مجلس النواب، فسقطت قذيفة هاون على بعد أمتار منّا. نجونا بإعجوبة. لدي تمزق في يدي الآن، وزميلي مصطفى أصيب في وجهه بجروح”.

 

قال وسام الملا وهو المستشار الإعلامي للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “السلطات العراقية ما زالت وللأسف تستخدم العنف ضد الصحافيين وتعتبرهم أعداء لها، وهذا ما يخلق بيئة غير آمنة للعمل الصحافي”.

 

وأضاف أن “ما حدث خلال تغطية الصحافيين لأحداث المنطقة الخضراء خلق حالة من القلق لدى الصحافيين بأنهم قد يتعرضون في أي لحظة لاعتداءت أخرى، لأن القوات التي كان يجب أن توفر الحماية لهم، اعتدت عليهم”.

 

 قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن كل أطراف النزاع كانت تستهدف وبشكل مباشر الصحافيين، ويبدو أنها اتفقت على أن تعتبر الصحافيين أعداءً لها. هذه الأساليب والأفعال ليست بجديدة، وتؤشر أن حرية الصحافة في العراق في تراجع، وأن الصحافيين الميدانيين يواجهون مخاطر عدة.

 

للأسف فإن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لم تعمل على حماية الصحافيين، ولم تحاسب أي من مرتكبي الانتهاكات بحقهم، حتى أولئك الذين ينتمون للمؤسسة العسكرية وتوجد أدلة تدينهم. يبدو أن الصحافيين وحمايتهم، ليست من أولويات أي حكومة عراقية، رغم أن حرية الصحافة هي العامود الفقري لأي نظام ديموقراطي.

 

يطالب المرصد العراقي لحقوق الإنسان المؤسسات الصحافية بتوفير معدات السلامة المهنية الخاصة بتغطية النزاعات والتظاهرات، كما يطالب كل أطراف النزاع والاشتباك المسلح بألا يعتبروا الصحافة عدوة لهم، فإن ذلك يُمكن أن يخلق بيئة عمل غير آمنة تقوض وصول المعلومات والحقائق إلى الجمهور.

 

في المحصلة، صارت حرية الصحافة هدفاً مشتركاً يحاول الجميع أن يحقق طموحه باستهدافها واستهداف العاملين في الصحافة، دون وجود رادع أو إجراءات حكومية تساعد على توفير الحماية للصحافيين، بل أصبحت السلطة طرفاً أساسياً في مساعي تقويض حرية الصحافة.

مشاركة