أرطغرل.. الغازي التركي الذي ساهم في إنهاء الدولة البيزنطية ومهد لقيام الدولة العثمانية
يعدّ الغازي أرطغرل أحد أهم الشخصيات في التاريخ التركي، فقد بذل جهدا كبيرا لجعل الأناضول وطنا له ولقبيلته، وشارك في حروب السلاجقة ضد المغول، وأنهى الهيمنة البيزنطية، كما يعد أول من وضع حجر الأساس لقيام الإمبراطورية العثمانية التي دامت عدة قرون.
ويرى عدد من المؤرخين العثمانيين أن افتقار المصادر المعاصرة لأحداث السنوات الأولى من تاريخ العثمانيين يُعَدُّ السبب الرئيسي في الغموض حول حقبة أرطغرل، إذ إن المعلومات عن السنوات الأولى من التاريخ العثماني بالنصف الثاني من القرن الـ 13 الميلادي ترتبط في معظمها بالروايات الشعبية التي دُوِّنت في القرن الـ 15.
النشأة والتكوين
ولد أرطغرل بك بن سليمان شاه القايوي التركماني عام 1189 حسب ما اتفقت عليه أغلب الروايات، ومعنى “أرطغرل” بالتركي “الرجل العقاب”. وهو من عشيرة قايي (كايي) التابعة لقبيلة بوروك من قبائل أوغوز المنقسمة إلى 24 قبيلة، وغالبا ما يشار إلى أرطغرل ونسله من سلاطين الدولة العثمانية باسم غازي أي “مقاتل في سبيل الله”.
والده سليمان شاه، وأمه هيماه خاتون، وأجداده أمراء عشيرة قايي، وكان له 3 إخوة هم: غوندوغدو، وسونغور تكين، ودوندار.
تزوج أرطغرل من حليمة خاتون، ويقال إن لها دورا كبيرا في مساعدة زوجها، وإدارة شؤون القبيلة، وله منها 3 أبناء هم: غوندوز، وسافجي، وعثمان.
عُرِف بالقوة، والمهارات القتالية، والذكاء، والعدل، والكرم، والشجاعة مثل والده، وقد سار على نهج الصالحين، كما أراد أن يُعِدّ قبيلته إعدادا محكما، ويبني فيها القيم والمثل والإيمان والعمل.
محاربة المغول والبيزنطيين
نزحت قبيلة قايي من سهول آسيا الغربية إلى بلاد آسيا الصغرى (الأناضول) بسبب الهجمات المغولية، وتولّى أرطغرل قيادة القبيلة بعد وفاة والده، وحسب المصادر التاريخية فإن أول ظهور فعليّ لأرطغرل حين سارع مع جيشه لمساعدة السلاجقة في معركة وقعت بالقرب من “سيفاس” ضد الوحدة المغولية الكبرى.
ورغم عدم معرفته بأطراف القتال، فإنه أقبل على المعركة بمجرد مشاهدته ضعف الجيش -الذي يرفع راية الإسلام وأوشك على الانكسار. وبفضل مساندة الغازي أرطغرل، انتصر الجيش السلجوقي، وكافأه الحاكم السلجوقي (علاء الدين قيق باد الأول) بمنحه عدّة أقاليم ومدن ليصبح أميرا عليها.
وبعد أن أثبت أرطغرل ولاءه للسلطان علاء الدين في عدّة حروب، اعتمد عليه في الحروب كلها، وكانت مكافأة أرطغرل عقب كل حرب أراضي جديدة يضمها إلى مملكته، ولُقِّب في جيش السلاجقة “بمقدمة السلطان” لتقدّمه الجيش مع جنوده.
عام 1230 أعطى السلطان علاء الدين منطقة كراكاداغ ومحيطها لأرطغرل، وظل بها فترة من الزمن قبل أن يرسل ابنه سافجي إلى السلطان لطلب منزل جديد، فاستقر لاحقا في منطقة سوغوت وقضى بها الشتاء، وانتقل بعد ذلك إلى منطقة دومانيش وقضى الصيف هناك، ومن هذه المناطق بدأ أرطغرل في تنظيم الغارات على القرى والبلدات الواقعة داخل حدود بيزنطة.
كما حاول إقامة صداقات مع السادة اليونانيين المجاورين، مثل: تيكفورن وبلسيك، والميلانجيا (ليفكي عثمانلي، اليوم) ومع أبناء حسام الدين كوبان الذي كان عضوا في قبيلة قايي، وكاستامونو مارجريف من السلاجقة.
خلال حروب أرطغرل ضد البيزنطيين، تجمع حوله حراس أصحاب خبرة، من أمثال: أكجاكوجا، وسامجا سورنجت، وكارا تيجن، وآيكوت، وكونر، وهكذا نمت قبيلة قايي، وقويت يوما بعد يوم.
بعد فترة نظم السلطان (علاء الدين قيق باد الأول) رحلة استكشافية إلى الأراضي البيزنطية لإخضاع الحدود الغربية لبلاده، وانضم له أرطغرل غازي وجيشه وساهم بانتصار الجيش السلجوقي في الحرب ضد جيش الإمبراطور البيزنطي نيكايا (إزنيق) ثيودوروس لاسكاريس، وفرح السلطان عندما علم بذلك وأعطى أرطغرل منطقة إسكي شهير ومحيطها مكافأة له.
عقب هذا الانتصار، حاصر السلطان علاء الدين قلعة كاراهيسار، أحد المراكز المهمة بالمنطقة، إلا أنه تلقّى أخبارا بدخول المغول إلى الأناضول؛ فاضطر إلى العودة وترك حصار المدينة لأرطغرل الذي استولى على القلعة بعد صراعات طويلة.
وقام أرطغرل بعد ذلك بضمّ قرية سكود قرب كوتاهيا إلى مملكته، وقد أصبحت لاحقا عاصمة للدولة العثمانية تحت حكم ابنه عثمان عام 1299.
وأصبح لقب “أوج بكي” أي حافظ الحدود مقترنا بأرطغرل أحد الحكام المحليين تحت إمرة سلاطين السلاجقة الموجودين في قونيا.
وبلغ عدد أفراد قبيلة أرطغرل ما يزيد عن 4 آلاف شخص، بالإضافة إلى التركمان ومسيحيي الروم الذين انضموا إليها نتيجة اتساع رقعة أراضيها خلال نصف قرن كامل، مما ساعد على وضع حجر الأساس لبناء الوطن، وتمهيد الطريق للتحول من طور القبيلة إلى الدولة.
وقد بلغت مساحة نفوذ أرطغرل بداية تأسيس الدولة ما بين ألف وألفي كيلومتر، ثم توسعت خلال نصف قرن لتصل إلى 4800 كيلومتر تقريبا.
ووفقا للروايات التاريخية، فقد استمر ولاء الغازي أرطغرل للسلاطين السلاجقة المتعاقبين، وبعد 1279 سلم أرطغرل قيادة قبيلة قايي إلى ابنه عثمان، ثم توفي بعد ذلك بأعوام قليلة.
وأوصى أرطغرل ابنه عثمان بوصية طويلة قيمة، يحثّه فيها على ضرورة الاهتمام بأولياء الله من العلماء، ومنهم شيخه أديب علي الذي ساعده كثيرا خلال فترة التأسيس، وما يزال جزء صغير من الوصية مكتوبا عند قبر أرطغرل، وهو الجزء الذي يحثّ به ابنه على عدم عصيان الشيخ.
وكان عثمان كأبيه مخلصا للدولة السلجوقية حتى سقطت، فقام بتأسيس الدولة العثمانية لتكون بداية لإمبراطورية جديدة امتد حكمها عدة قرون.
الوفاة
توفي أرطغرل غازي عن عمر فاق 90 عاما، ودفن في مدينة سوغوت، وتختلف الروايات في تحديد تاريخ وفاته.
وبنى له ابنه السلطان عثمان غازي ضريحا، جاء تصميمه على شكل بناء مسدس الأضلاع تغطيه قبة، وبنيت الجدران من صف حجارة يعلوها صفان من الطوب، وفُتِحَت نوافذ مستطيلة على الجدران الغربية والجنوبية الشرقية، ويمكن الوصول إلى القبر داخل الضريح من خلال مدخل مستطيل الشكل على جانبيه نافذتان.
وقد دُمِّرَ الضريح أثناء الاحتلال اليوناني بإطلاق النار عليه، ويمكن رؤية آثار الرصاص على النوافذ والجدران حتى اليوم.
وأصبح ضريح الغازي أرطغرل مكانا للزيارة، ونظّم أفراد قبيلة كاراكيجيلي الأعياد في تاريخ الوفاة، وتضمنت احتفالاتهم ألعابا وطنية، مثل الرماية والمصارعة، وإلى الآن تتم زيارة قبر أرطغرل بالطريقة ذاتها، وتقام المهرجانات في سوغوت كل عام في ذكرى وفاته.