اتفاقية عراقية – تركية جديدة لإدارة المياه: خطوة لإنهاء أزمة القحط وإنقاذ الأمن المائي
في تطورٍ وُصف بالمفصلي في ملف المياه العراقي، شهدت العاصمة بغداد، أمس الأحد، توقيع الآلية التنفيذية لاتفاقية التعاون الإطارية بين العراق وتركيا في مجال المياه، بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزيري الخارجية فؤاد حسين وهاكان فيدان.
الاتفاقية الجديدة تُعدّ مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات بين البلدين، وتهدف إلى إدارة الموارد المائية بشكل مستدام، ووضع حلول عملية لأزمة الشح المائي التي تهدد الأمن الغذائي والاقتصادي في العراق.
تفاصيل الاتفاق وآلية التمويل
وقّع الجانبان وثيقة آلية تمويل المشاريع الخاصة باتفاقية التعاون المائي، والتي تتضمن تمويل مشاريع مائية كبرى تشرف على تنفيذها شركات تركية متخصصة في مجال تحديث وتشييد البنية التحتية للمياه في العراق.
ويعتمد النظام التمويلي الجديد على آلية مقايضة جزئية تعتمد على مبيعات النفط العراقي لتغطية تكاليف المشاريع، بما يضمن تنفيذها دون أعباء مالية مباشرة على الحكومة العراقية.
كما تتضمن الاتفاقية إطلاق مليار متر مكعب من المياه إلى العراق خلال الأيام المقبلة، على أن تُدار عمليات الإطلاق المائي والبنية التحتية المرتبطة بها من قبل الجانب التركي لمدة خمس سنوات، قبل أن تُعاد إدارتها إلى العراق بشكل كامل.
أزمة القحط تدفع نحو التعاون
تأتي هذه الاتفاقية في ظل تفاقم أزمة الجفاف والتغير المناخي التي يعاني منها العراق، حيث تراجعت كميات المياه الواردة من نهري دجلة والفرات بأكثر من 50% خلال الأعوام الأخيرة، فيما انخفضت معدلات الأمطار بنسبة 60%، ما أدى إلى تقلص المساحات الزراعية وارتفاع معدلات التصحر والنزوح المناخي.
وقد كشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان عن نزوح أكثر من 130 ألف شخص من مناطق وسط وجنوب العراق بحثاً عن مصادر رزق بديلة، محذراً من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تحولات اجتماعية واقتصادية خطيرة.
أدوات ضغط جديدة في المفاوضات
وأكد مستشار رئيس الوزراء لشؤون المياه، طورهان المفتي، أن العراق استخدم للمرة الأولى أدوات ضغط اقتصادية في مفاوضاته المائية مع دول الجوار، مشيراً إلى أن الاتفاق الجديد يتضمن ضمانات قانونية واضحة تحفظ الحقوق المائية للعراق.
وأضاف المفتي أن الحكومة تعمل أيضاً على إزالة التجاوزات المحلية على الحصص المائية، مثل التوسع الزراعي غير المخطط واستخدام المضخات غير المرخصة، باعتبارها عوامل داخلية تفاقم من شح المياه.
تعاون إقليمي لمواجهة التغير المناخي
الاتفاق الجديد يأتي استكمالاً للتفاهمات التي بدأت خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد عام 2024، ويُتوقع أن يسهم في تطوير مشاريع مائية استراتيجية مشتركة، ويُعد خطوة مهمة نحو إعادة بناء الثقة بين البلدين في ملف طالما شابه التوتر.
كما يشكل هذا التعاون نموذجاً إقليمياً لمعالجة آثار التغير المناخي من خلال آليات تقاسم منصفة للمياه وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية المائية.

