هل يهدد البوتوكس والفيلر الرابط العاطفي بين الأم وطفلها؟
خبراء علم النفس: تعبيرات الوجه ليست مجرد جمال.. بل أساس للتواصل الوجداني بين الأم ورضيعها
في السنوات الأخيرة، تصاعدت شعبية إجراءات التجميل غير الجراحية مثل حقن البوتوكس والفيلر بين النساء في مختلف أنحاء العالم.
لكن في مقابل الوعود الجمالية، تثير دراسات علمية جديدة أسئلة مقلقة حول تأثير هذه الإجراءات على التواصل العاطفي بين الأم وطفلها، وقدرتها على نقل المشاعر من خلال تعبيرات الوجه — الركيزة الأساسية للعلاقة الأمومية.
الوجه.. لغة المشاعر الأولى
تعبيرات الوجه لا تعكس فقط مشاعرنا الداخلية، بل تساهم في تكوينها وتنظيمها.
وتشير دراسات علم النفس إلى ما يُعرف بـ”فرضية ردود الفعل الوجهية” (Facial Feedback Hypothesis)، والتي تؤكد أن الابتسام يُعزّز السعادة، بينما التجهم يُغذّي المشاعر السلبية.
ويكتسب هذا الدور أهمية مضاعفة في مرحلة الأمومة المبكرة، حيث يتعلم الطفل التعاطف وفهم العاطفة من ملامح وجه أمه.
فكل ابتسامة، عبوس أو نظرة، تشكل لدى الرضيع أساسًا لفهم المشاعر واللغة والعالم من حوله.
كيف يؤثر البوتوكس والفيلر على تعبيرات الوجه؟
يعمل البوتوكس على إضعاف أو شلّ عضلات محددة في الوجه بشكل مؤقت لتقليل التجاعيد الناتجة عن الحركات المتكررة مثل العبوس أو الابتسام.
أما الفيلر فيُستخدم لملء التجاعيد أو استعادة حجم الوجه المفقود، وقد يؤدي الاستخدام المفرط له إلى تجميد حركة العضلات وتقييد التعابير الطبيعية.
وأظهرت دراسة نُشرت عام 2018 في مجلة PubMed أن النساء اللاتي خضعن لحقن تجميلية متكررة فقدن جزءًا من القدرة على تحريك عضلات وجوههن، مما أثر على التعبير عن الغضب أو الحزن أو الدهشة.
وهو ما يعني أن “تجميد التجاعيد” قد يقود عن غير قصد إلى “تجميد المشاعر”.
البوتوكس يضعف التعاطف لدى الأمهات
تشير دراسات علمية حديثة إلى أن البوتوكس لا يؤثر فقط في المظهر الخارجي، بل يضعف أيضًا القدرة على التعاطف.
فعندما تُجمّد عضلات الوجه، يفقد الدماغ وسيلته الطبيعية لمحاكاة تعبيرات الآخرين — وهي آلية عصبية أساسية لفهم المشاعر.
وأظهرت تجارب التصوير العصبي أن تعطيل عضلات الجبهة يُغيّر نشاط مناطق الدماغ المرتبطة بالعاطفة، مما يؤدي إلى ضعف إدراك مشاعر الآخرين.
وتزداد خطورة هذا التأثير لدى الأمهات، إذ يعتمد الرضع بشكل رئيسي على ملامح وجوه أمهاتهم لفهم العالم.
فالوجه الخالي من التعابير — حتى وإن بدا مثالياً — قد يعني بالنسبة للطفل انقطاعاً في التواصل الوجداني.
تجربة “الوجه الجامد” تكشف الحقيقة
لفهم أهمية تعابير الوجه في التواصل بين الأم وطفلها، تُعد تجربة “الوجه الجامد” (Still Face Experiment) التي أجراها عالم النفس إدوارد ترونيك في سبعينيات القرن الماضي من أهم التجارب في هذا المجال.
في التجربة، طُلب من الأمهات إبقاء وجوههن بلا أي تعبيرات أثناء التفاعل مع أطفالهن.
فما كان من الأطفال إلا أن أظهروا ارتباكًا وبكاءً وقلقًا شديدًا في غضون ثوانٍ قليلة، محاولين استعادة تفاعل أمهاتهم.
ويُظهر هذا أن غياب التعبير العاطفي — حتى مؤقتًا — يخلّ بآليات الأمان والانتماء لدى الطفل.
ومن هنا، فإن فقدان مرونة الوجه نتيجة للبوتوكس أو الفيلر قد يحاكي هذه التجربة جزئيًا، مؤثرًا على نمو الطفل النفسي والاجتماعي.
بين الجمال والترابط العاطفي.. هل يستحق الأمر المخاطرة؟
رغم أن حقن البوتوكس والفيلر تُعد آمنة وسريعة النتائج، إلا أن آثارها تتجاوز الجلد إلى العلاقات الإنسانية الأعمق.
فالأمهات اللواتي يحدّدن تعابير وجوههن بشكل مفرط قد يقدمن دون قصد تجربة “وجه جامد” لأطفالهن، مما يُضعف التواصل الاجتماعي والعاطفي المبكر.
لذلك، ينصح الأطباء وخبراء علم النفس الأمهات بالتفكير مليّاً قبل الخضوع لهذه الإجراءات، خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل، حين يشكل وجه الأم نافذة الطفل الأولى نحو العالم.

