تصنيف العراق ثالث أسوأ دول العالم في مجال الرعاية الصحية الأولية

تصنيف العراق ثالث أسوأ دول العالم في مجال الرعاية الصحية الأولية

بغداد- “نعاني من قلة المراكز الصحية الأولية وقلة الأدوية والكوادر الطبية مع الزخم الكبير في جميع المراكز، اضطررت للمجيء منذ أكثر من ساعة للحصول على الرعاية الصحية وما زلت أنتظر”، بهذه الكلمات يروي الموطن العراقي حسين علي وضع أحد المراكز الصحية في أحد قطاعات مدينة الصدر شرقي العاصمة العراقية بغداد.

علي  أوضح أن المركز الصحي الذي زاره يشهد ازدحاما كبيرا في عدد المراجعين، وأن كثيرا منهم من مناطق أخرى قريبة لا تتوفر فيها مراكز صحية، مما يدفع الكثير من المرضى للتوجه إلى العيادات الطبية الخاصة للعلاج وتحمل تكاليف ذلك، وفق قوله.

ويشهد العراق منذ أكثر من 3 عقود تراجعا واضحا في القطاع الصحي بسبب الحروب العديدة التي خاضتها البلاد والحصار الاقتصادي الدولي بين عامي 1991 و2003، ثم الغزو الأميركي والتدهور الأمني الذي تبعه في مختلف المحافظات.

وكان موقع “نوميبو” الذي يعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم وجودة الرعاية الصحية، قد صنف العراق الأحد الماضي بالمرتبة الثالثة كأسوأ دولة في مجال الرعاية الصحية الأولية بالعالم، وذكر الموقع في تقريره لعام 2023 أن “العراق جاء بالمرتبة الثالثة بأسوأ رعاية صحية بالعالم من أصل 94 دولة مدرجة بالجدول، حيث حصل على 43.46 نقطة فقط متقدما على فنزويلا وبنغلاديش”.

في حين جاءت كل من تايوان وكوريا الجنوبية واليابان وفرنسا والدانمارك بالمراتب الخمس الأولى عالميا في تقديم الرعاية الصحية الأولية، في الوقت الذي رفضت فيه وزارة الصحة العراقية هذا التصنيف وأشارت لتطور القطاع الصحي العراقي.

ويطرح هذا التصنيف العديد من التساؤلات حول مصداقية هذا التصنيف للعراق، لا سيما أن الموقع صنف لبنان في المرتبة الـ50 عالميا رغم الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعانيها منذ نحو 3 سنوات وتدهور القطاع الصحي فيه.

الموقف الحكومي

من جانبه، وصف المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الاتحادية الدكتور سيف البدر التصنيف الأخير لموقع نومبيو بأنه “مجاف للحقيقة ولا يستند لمعايير علمية”، مشيرا إلى ضرورة النظر لمجمل الخدمات الصحية في البلاد والصعوبات التي واجهتها، لا سيما الضرر الكبير الذي لحق بالمنشآت الصحية خلال الحرب على تنظيم الدولة بين عامي 2014 و2017 في العديد من المحافظات.

ورغم أن البدر لا يخفي مواجهة العراق لبعض المشكلات في القطاع الصحي، فإن خدمات الرعاية الصحية بمختلف مستوياتها شهدت تطورا كبيرا، بحسبه، لا سيما مع إشادة تقارير منظمة الصحة العالمية بالتطور الحاصل في القطاع الصحي، وتقديم جميع اللقاحات والعلاجات في المراكز الصحية بصورة مجانية.

كما أوضح أن الرعاية الصحية الأولية والثانية المتعلقة بالمستشفيات العامة شهدت تطورا ملحوظا، خاصة أن العراق سيشهد دخول قانون الضمان الصحي في يوليو/ تموز القادم حيز التنفيذ وسيمتد تباعا في تطبيقه لجميع المحافظات.

وبين البدر أن عام 2023 شهد افتتاح العديد من المستشفيات الكبيرة في محافظتي كربلاء (جنوبا) ونينوى (شمالا)، مع قرب افتتاح مستشفيات كبيرة في البصرة وميسان (جنوبا)، أما في بغداد فستشهد افتتاح أول مركز طبي كبير لأمراض الدم وزراعة نخاع العظم، مع افتتاح المستشفى الألماني في محافظة النجف (جنوبا) والمستشفى التركي في كل من كربلاء وذي قار (جنوبا)، مع وضع حجر الأساس للعديد من المستشفيات الأخرى، وفق قوله.

أما رئيس لجنة الصحة النيابية ماجد شنكالي فيرى أن الواقع الصحي بالعراق بحاجة لتأهيل كبير، إلا أنه ليس بالسوء الذي صنفه موقع نومبيو، لافتا إلى أن وصف القطاع الصحي بهذا السوء دوليا يرجع لعدم تطبيق الضمان الصحي بالبلاد، مع عدم الفصل بين القطاعين العام والخاص في هذا الصدد، لافتا إلى أن العاملين في هذين القطاعين هم ذاتهم، مما أدى لنوع من الخلل أسفر عن تدني مستوى العراق في التصنيفات الدولية.

وأبدى شنكالي تفاؤلا بقرب تطبيق قانون الضمان الصحي الذي سينقل العراق لتصنيفات أفضل، وفق قوله، مشيرا إلى أن الفترة القادمة ستشهد تطورا ملحوظا في الرعاية الطبية، لا سيما مع قرب افتتاح مراكز أمراض الدم والقلب، واعتماد نظام جديد لإدارة المستشفيات الحديثة والكبيرة وفق مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص (Public Private Partnership).

كما أوضح شنكالي أن النهوض بالواقع الصحي لا يتعلق بالأموال فقط، مبينا أن الحكومة الحالية تعمل على تطوير القطاع الصحي، وأن المناطق المستعادة من تنظيم الدولة شهدت تطورا جيدا في القطاع الصحي لكنه ليس بالمستوى المطلوب حتى الآن، مشيرا إلى أن تخصيص 5% من قيمة الموازنة العامة للبلاد لعام 2023 يعد مبلغا ضئيلا نسبة لعدد سكان البلاد البالغ 42 مليون نسمة، مع ذهاب 60% من هذه الموازنة لوزارة الصحة كرواتب للموظفين، وفق قوله.

رأي مخالف

ورغم التصريحات المتفائلة تجاه القطاع الصحي العراقي، فإن شنكالي يرى أن تطوير القطاع الصحي يتطلب تطوير البنية التحتية، وأن إدارة المشاريع الصحية والطبية بصورة صحيحة يعد أكثر أهمية من افتتاحها، مع ضرورة الفصل بين عمل القطاع الصحي العام والخاص، مشيرا إلى أن القطاع الخاص بات يستغل القطاع العام، الأمر الذي يعد حالة نادرة على مستوى العالم، وفق قوله.

في غضون ذلك، وتعليقا على تصنيف العراق في المرتبة الثالثة كأسوأ دولة في مجال الرعاية الصحية الأولية، أشار خبير الصحة العامة الدكتور علي العنبوري أن تصنيف الموقع يعد منصفا إلى حد ما، مشيرا إلى أن مستوى خدمات الرعاية الصحية الأولية متدن جدا.

كما كشف العنبوري عن أن 50% من المرضى العراقيين يتلقون العلاج في القطاع الخاص رغم وجود خدمات الرعاية الصحية الأولية، مما يدل على أن هذه الخدمات العامة لا تستجيب لحاجة المواطن العراقي.

كما أن خدمات الرعاية الصحية الأولية لا تقدم للعراقيين إلا في حدود 4 ساعات فقط، من الساعة 8:30 صباحا وحتى الساعة 2:30 بعد الظهر، رغم أن الدوام الرسمي يجب أن يكون بمعدل 7 ساعات من 8 صباحا وحتى 3 ظهرا، مما يجعل المواطن العراقي، وفق رأيه، أمام خيارين، أولهما الذهاب لخدمات الطوارئ واستهلاكها دون مبرر، أو اللجوء للقطاع الخاص مما يحمل المواطن تكاليف كبيرة جدا، وفق العنبوري.

ولا يقف الأمر عند ذلك، إذ يؤكد أن الزخم في مراكز الرعاية الصحية الأولية يعد كبيرا جدا، وذلك نتيجة النقص الكبير في مراكز الرعاية الصحية الأولية وعدم وجود مراكز تستوعب الأطباء المختصين بطب الأسرة، فضلا عن مشكلة توزيع مراكز الرعاية الصحية، لا سيما أن العراق يسجل عجزا بمعدل 3 آلاف مركز صحي أولي في جميع المحافظات العراقية.

ويختتم العنبوري حديثه محملا وزارة الصحة مسؤولية ما يجري، وأن على الوزارة إعادة هيكلة النظام الصحي في البلاد، مبينا أن عدد المستشفيات والأجهزة لا علاقة له بالمراكز الصحية الأولية التي تقدم الخدمات المباشرة للمواطنين دون الحاجة للذهاب إلى المستشفيات إلا في حال تطلب الأمر ذلك، وفق قوله.

مشاركة