كيف استخدم المسلمون الجوع سلاحًا في حروبهم؟

حين يصبح الجوع سلاحًا.. التاريخ الإسلامي في مواجهة أزمات الغذاء
مشهد يتكرر: الخبز والذعر والاحتكار
“تزاحم الناس على الخبز في الأسواق إلى أن فُقِد من الحوانيت”… بهذه الكلمات وصف الإمام ابن حجر العسقلاني مشهدًا من أزمة غذائية طاحنة ضربت مصر سنة 818هـ/1415م، كما وثّقه في كتابه إنباء الغمر بأبناء العمر. كان الناس يشترون مئة رغيف إن وجدوه، خوفًا من انقطاعه، فيما احتكر كبار التجار القمح ومنعوا بيعه، لتغلق الأفران أبوابها في مشهد اختفى فيه القمح، وارتفعت الأسعار في شمال مصر وجنوبها.
لم يكن هذا المشهد حادثة عابرة، بل جزء من سلسلة طويلة من أزمات غذائية وتضييق اقتصادي عاشها العالم الإسلامي عبر تاريخه، تزامن فيها الجوع مع الوباء وجور السلطة، فانهارت أخلاقيات السوق، وساد الخوف، واهتز الأمن الغذائي.
الإطعام من جوع.. التحدي الأكبر للدولة
يُعد الأمن الغذائي أهم ركائز استقرار الدول، وأشد التحديات التي تواجهها، فإذا اختلّ توازنه تهددت شرعية السلطة، وانهارت بنيان الدولة داخليًا، وقد تتجه نحو الفوضى أو تُوصم بالفشل.
المقالة تسلط الضوء على سلسلة أزمات غذائية كبرى في التاريخ الإسلامي، لفهم أعمق لما عاشته المجتمعات المسلمة من تحديات معيشية، وكيف استُخدم الخبز سلاحًا في حروب السياسة والدين والسلطة.
من مكة إلى دومة الجندل.. الغذاء في صدر الإسلام
منذ نشأة الجماعة المسلمة الأولى، كانت الأبعاد المعيشية جزءًا أصيلاً من المواجهات. حصار شِعب أبي طالب كان أول مقاطعة اقتصادية في الإسلام، فرضتها قريش لمنع التجارة والطعام عن بني هاشم.
كما شهدنا أول حصار غذائي معاكس عندما قطع ثمامة بن أثال الميرة عن قريش، بعد إسلامه، قائلًا: “لا تأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها النبي ﷺ”، في تحول غذائي استراتيجي أربك اقتصاد مكة المشركة.
الجوع كسلاح سياسي: من الخوارج إلى العباسيين
مارس قادة وزعماء كثيرون سلاح الجوع ضمن حروب النفوذ، من نجدة الخارجي الذي منع الطعام عن الحجاز، إلى الحجاج الثقفي الذي حاصر مكة، ما أدى إلى ذبح الخيول والدجاج لغياب القمح.
وفي الدولة العباسية، استخدم الخلفاء هذا التكتيك مرارًا: منع الخليفة أبو جعفر المنصور الميرة عن الحرمين أثناء ثورة “النفس الزكية”، وقُطع الطعام عن بغداد أثناء صراع الأمين والمأمون، وقبلها عانت سامراء من الجوع أثناء النزاع على الخلافة.
الجوع يقوّض الدول: بين الغلاء والنهب والفوضى
أزمات الغذاء لم تكن مجرد حوادث إنسانية، بل مهدت لانهيارات سياسية كبرى. فقد سبق الغزو المغولي والمماليك والفاطميين فترات من المجاعات والتضخم واحتكار الأقوات، وكانت بوابة لتدخل خارجي أو تفكك داخلي.
رصد المؤرخون المسلمون آثار الغلاء بدقة، من تغيّر مزاج الناس إلى انتشار السلب والنهب، وتحوّل المدن من مراكز حضارية إلى ساحات فوضى وألم.