دير سانت كاترين.. كيف تحوّل مَعلم ديني إلى أزمة سيادية؟

دير سانت كاترين.. كيف تحوّل مَعلم ديني إلى أزمة سيادية؟

جذور الأزمة

لم تكن حادثة منع أحد المصريين من زيارة دير سانت كاترين مع مجموعة أطفال في بداية عام 2025 مجرد خلاف عابر، بل كانت شرارة لأزمة دبلوماسية بين مصر من جهة، واليونان ومعها دول أوروبية وأميركا، مدعومين بمنظمات حقوقية ودينية، أبرزها منظمات الروم الأرثوذكس.

فقد تطور الخلاف بعد أن رفع المواطن المصري دعوى قضائية ضد إدارة الدير، وصدر حكم يقضي بالحفاظ على تراث الدير وتحديد توسعه العمراني في محيطه، الأمر الذي اعتُبر من الجانب الآخر مساسًا بمكانة الدير التاريخية، لتبدأ أزمة مكتومة تتداخل فيها السياسة بالدين، والتاريخ بالجغرافيا.

القديسة كاترين: القصة التي صنعت التاريخ

ترتبط نشأة الدير بسيرة القديسة دوروثيا كاترين (288-307م)، ابنة حاكم الإسكندرية، والتي رفضت الزواج من الإمبراطور ماكسيميانوس بعد أن أعلنت إيمانها بالمسيحية جهارًا. فكانت رمزًا للمقاومة الدينية والبطولة النسوية، انتهت حياتها بالتعذيب والاستشهاد، لتُلقب لاحقًا بـ”آجيا كاثروس” (القديسة النقية).

بعد قرنين من استشهادها، قرر الإمبراطور جستنيان الأول في القرن السادس الميلادي بناء دير في طور سيناء يضم رفاتها، فكان ذلك نواة دير سانت كاترين، الذي تحول لاحقًا إلى مركز ديني وحضاري هام.

دير سانت كاترين: من صرح ديني إلى رمز حضاري عالمي

يقع الدير في قلب جنوب سيناء، على هضبة ترتفع 1500 متر عن سطح البحر، وتقدر مساحته المبنية بـ3400 متر مربع، قبل أن تتسع بعد عام 1982 إلى 20 ألف متر مربع. ويحتوي على:

  • كنيسة التجلي

  • معضمية (رفات رهبان)

  • مكتبة ضخمة تضم 6000 مخطوطة (400 بالعربية)

  • تحف، أيقونات، عملات، ووثائق تاريخية

  • مساكن للزوار والرهبان

  • محميات طبيعية وأراضٍ زراعية

يُعد الدير ثاني أقدم مكتبة دينية في العالم بعد الفاتيكان، ومقصدًا للزوار من مختلف أنحاء العالم.

من الرهبنة المصرية إلى الهيمنة اليونانية

في مراحل لاحقة من تاريخه، ومع تغير التحالفات الكنسية، طُرد الرهبان المصريون التابعون للكنيسة القبطية، وأُحكمت السيطرة على الدير من قبل رهبان يونانيين تابعين لكنيسة الروم الأرثوذكس، ما أدى إلى فصل ديني وثقافي عن محيطه المصري المحلي.

ورغم أن الدولة المصرية حافظت على إشرافها الإداري، فإن توسع المتصرفية عقب انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من سيناء عام 1982، أثار نزاعات بين الدير والبدو المحليين، خصوصًا بعد إنشاء محمية طبيعية عام 1988.

التوتر المتصاعد بين السيادة المصرية والنفوذ اليوناني

شهدت العلاقة بين مصر والدير تطورًا ملحوظًا بعد 2013، على وقع تقارب مصري-يوناني إستراتيجي. إلا أن هذا التقارب منح الدير نفوذًا أكبر على الأرض، وسمح له بتوسعات جديدة أدت إلى تضييق على سكان سيناء الأصليين، وسط غياب رقابة فعالة من السلطة المحلية.

كما أظهرت وثائق أوروبية أن بعض الجهات اليونانية تتعامل مع المنطقة المحيطة بالدير وكأنها مستوطنة دينية مستقلة، وهو ما اعتبرته جهات مصرية مساسًا بالسيادة الوطنية على منطقة تبلغ مساحتها أكثر من 5000 كيلومتر مربع، يعيش فيها نحو 15 ألف مصري.

بين التاريخ والواقع: إلى أين تتجه الأزمة؟

تشير الدلالات إلى أن الأزمة قد تتفاقم بعد انتهاء الحرب في غزة، إذ أن الحكم القضائي الصادر لصالح السيادة المصرية على محيط الدير لم يُرضِ الجانب اليوناني وبعض المنظمات الدولية، في ظل دعم دبلوماسي غربي غير مباشر للدير.

وهكذا، تقف مصر أمام معادلة معقدة: حماية التراث الديني والإنساني للدير من جهة، وفرض السيادة الكاملة على أراضيها وحقوق سكانها المحليين من جهة أخرى، في صراع يُرجح أن يمتد سياسيًا ودينيًا وإعلاميًا خلال المرحلة المقبلة.

مشاركة