وفاة الروائي الياباني كنزابورو أوي الحائز على جائزة نوبل للآداب عن 88 عاما
توفي الروائي كنزابورو أوي الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1994، عن 88 عاما، وفق ما أعلنت دار نشر “كودانشا” اليوم الاثنين، تاركا نتاجا أدبيا دافع فيه عن الضعفاء وتناول سياسات بلاده وقصة ابنه المعاق.
وقالت دار النشر في بيان إن الراحل “توفي بسبب الشيخوخة ودُفن في جنازة عائلية”.
وكان الروائي الياباني يبلغ 10 سنوات فقط عندما هُزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية. وكانت ذكرياته عن الحرب مصدر شقاء وألم له ومن بينها ذكرياته عن سؤاله يوميا بالمدرسة عما إذا كان مستعدا للتضحية بحياته من أجل الإمبراطور وشعوره بالخزي قبل نومه ليلا عند إدراكه أنه ليس مستعدا لذلك.
وكتب عن القصص المروعة التي صاحبت قصف هيروشيما بالقنبلة الذرية، وروى كيف كانت الصدمة التي انتابته بعدما سمع عن تلك الأحداث مصدر إلهام له ليصبح كاتبا.
ولم يكن يخشى أبدا محاسبة بلده، وكان لاذعا في انتقاداته لجهود رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي لإعادة النظر في دستور اليابان السلمي. وقال في مقابلة أجريت عام 2014 إن اليابان تحملت “بعض” المسؤولية في اندلاع الحرب.
وكان ابنه هيكاري المصاب بتلف في الدماغ مصدر إلهام قوي لكتاباته الأدبية، إذ كان لا يستطيع هيكاري التواصل مع أفراد أسرته لعدة سنوات ولكنه أصبح معروفا كمؤلف موسيقي في شبابه. وقال أوي إن معظم كتاباته كانت محاولة لمنح هيكاري صوتا.
كاتب مجروح
وأوي الذي عُرف بآرائه المسالمة والمناهضة للأسلحة النووية، كان يَعد نفسه من جيل كتّاب “أصيبوا بجرح عميق” جراء الحرب العالمية الثانية “لكنهم رغم ذلك مفعمون بالأمل في ولادة جديدة”.
وتناول في قصصه الروحية المتأثرة بالثقافة الأدبية الفرنسية والأميركية، قضايا مختلفة من مفاهيم الإعاقة إلى الهوة بين تقاليد القرى والحياة في المدن الكبيرة.
وقالت اللجنة المانحة لنوبل في العام 1994 عند منحه الجائزة “بقوة شاعرية يخلق (أوي) عالما متخيلا حيث تتكثف الحياة والخرافات لتشكل صورة مربكة لوضع البشر الهش اليوم”.
نشأ أوي المولود عام 1935، في قرية في جزيرة شيكوكو غرب اليابان، وهي منطقة نائية تحدّث عنها كثيرا في كتاباته؛ حيث جعل منها نموذجا مصغرا للإنسانية. وتربى على أساطير حول انتفاضات شعبية في قريته كانت ترويها له والدته وجدته. لكن سنوات شبابه اتّسمت أيضا بالحرب مع هيمنة الدعاية العسكرية على أيام دراسته.
وإن كان استسلام اليابان عام 1945 بعد إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي شكل صدمة له، إلا أنه سرعان ما اعتنق المبادئ الديمقراطية التي حملها المحتل الأميركي.
وفي الكلمة التي ألقاها خلال تسلّمه جائزة نوبل، وصف الكاتب التوترات بين ثقافة البلاد الأصلية واعتمادها السريع أساليب الحياة الغربية بعد الحرب. وقال “اليابان في الوقت الحاضر منقسمة بين قطبين متعارضين من الغموض، أنا أيضا أعيش -بوصفي كاتبا- مع هذا الاستقطاب، وهو مطبوع فيّ مثل ندبة عميقة”.
“على الهامش”
ترك أوي قريته ليدرس الأدب الفرنسي في جامعة طوكيو وانغمس في الفلسفة الوجودية والفلسفة الإنسانية في عصر النهضة.
بدأ كتابة الروايات عندما كان طالبا، وفي العام 1958، فاز بجائزة أكوتاغاوا اليابانية المرموقة للكتّاب الشباب عن عمله الذي تناول قصة طيار أميركي أسود أسره قرويون يابانيون خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي العام نفسه، نشر أوي روايته الأولى “اقتلعوا البراعم، اقتلوا الأولاد” عن شباب مراهقين تُركوا بمفردهم بعدما أجلوا أثناء الحرب، وترجمت هذه الرواية -وروايات أخرى أيضا منها “الموت غرقا”- للعربية.
وفي مقابلة أجراها منتصف العقد الأول من القرن الـ21، قال الكاتب الياباني إنه قرر البقاء “على هامش” المجتمع وعدم التعاون بتاتا “مع من هم في مركز الأشياء وأصحاب السلطة”.
وفي العام 1963، انقلبت حياة أوي الشخصية رأسا على عقب مع ولادة ابنه هيكاري، وهي كلمة تعني “الضوء” باليابانية. وقال أوي إن الكتابة والعيش مع هيكاري هما نشاطان “متداخلان يثري أحدهما الآخر. إنه أمر يشكّل مخيّلتي”.
ونشر أوي سلسلة من الروايات المستوحاة من وضعه العائلي، من بينها “مسألة شخصية” التي صدرت عام 1964 وروى فيها معاناة أب شاب يكافح للتصالح مع فكرة ولادة ابنه المعوّق.
ناشط مناهض للأسلحة النووية
بعد ولادة هيكاري، حضر أوي مؤتمرا لمكافحة الأسلحة النووية في هيروشيما التقى خلاله ناجين من القصف “لم يستسلموا مطلقا لأي ظرف” على حد قوله.
وساهم ذلك في تعزيز قرار أوي بتقبّل ظروف عائلته، ووثّق روايات الناجين في “مذكرات هيروشيما” عام 1965.
وأثارت مواقف أوي الخارجة عن التقاليد غضب القوميين اليابانيين، وتعرض للتهديد والاعتداء في الستينيات بسبب رواية حول إرهابي مراهق من اليمين المتطرف.
كذلك أقيمت دعوى قضائية على الكاتب بتهمة التشهير بسبب مقطع في “أوكيناوا نوتس” يسرد فيه كيف أرغم الجيش الياباني مدنيين على القيام بانتحار جماعي. وانتهت المحاكمة الطويلة لصالحه في العام 2011.
وفي سنواته الأخيرة، شن أوي حملة شرسة ضد الطاقة النووية، ومن أجل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وضد مراجعة دستور اليابان السلمي.
كما رفض وسام الثقافة الياباني في العام 1994، وهي جائزة تكريمية يقدمها الإمبراطور. وأوضح لصحيفة نيويورك تايمز عن ذلك “لن أعترف بأي سلطة أو قيمة أعلى من الديمقراطية”.