أستراليا تعمم تجربة “الطرق المتوهجة” بعد نجاحها في خفض الحوادث الليلية
تجربة ميدانية ناجحة في ولاية نيو ساوث ويلز تمهّد لتحول نوعي في سلامة الطرق
تستعد ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية لتوسيع استخدام ما يُعرف بـ “الطرق المتوهجة” (Glow-in-the-dark roads)، بعد أن أثبتت تجربة ميدانية استمرت ستة أشهر نجاحها الكبير في خفض الحوادث الليلية بنسبة 67%، بحسب ما أعلنته هيئة النقل في الولاية يوم الثلاثاء.
وأكدت الهيئة أن التجربة، التي أُجريت على مقطع يبلغ 200 متر من طريق بولي باس (Bulli Pass) الجبلي الشهير بخطورته، حققت نتائج وُصفت بأنها “قفزة نوعية في سلامة الطرق”، ما شجّع السلطات على توسيع المشروع إلى مناطق ريفية وساحلية إضافية.
كيف تعمل “الطرق المتوهجة”؟
تقوم فكرة هذه التقنية على طلاء الخطوط والعلامات الأرضية بمواد فوتولومينسنت (Photoluminescent)، وهي مواد تمتص ضوء الشمس خلال النهار وتخزنه، ثم تُصدر توهجًا ناعمًا في ساعات الليل دون الحاجة إلى إنارة كهربائية.
ووفقاً لهيئة النقل، فإن هذا النظام يوفر رؤية أفضل للسائقين أثناء الليل أو في الظروف الجوية السيئة، إذ يجعل العلامات والمنعطفات أكثر وضوحًا ويُحسن تقدير المسافات أثناء القيادة.
ويُمكن تطبيق التقنية نفسها في مسارات الدراجات والمشاة، ومواقف السيارات، ومدارج الطائرات، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للمناطق التي تفتقر إلى الإنارة العامة أو تتميز بتضاريس وعرة.
لماذا اختير طريق “بولي باس”؟
يقع طريق بولي باس على بعد نحو 75 كيلومتراً جنوب شرق سيدني، ويُعرف بانحداراته الشديدة ومنعطفاته الخطرة.
وخلال عامٍ واحد حتى 30 يونيو/حزيران 2024، سجل الطريق 125 حادثًا وشيكًا، كان 10% منها في ساعات الليل المتأخرة — أي ضعف المعدل في الطرق الإقليمية الأخرى.
وبعد تنفيذ المشروع التجريبي، أظهرت البيانات انخفاضًا كبيرًا في تلك الحوادث، بفضل تحسين إدراك السائقين للمنحنيات ووضوح حدود المسار حتى في الظلام الكامل.
خطة للتوسع الوطني في مشروع السلامة الذكية
تدرس حكومة الولاية الآن توسيع المشروع ليشمل طرقًا إضافية في مناطق نائية وساحلية، ضمن خطة نيو ساوث ويلز لخفض الوفيات على الطرق إلى النصف بحلول عام 2030.
وقالت مديرة السلامة المرورية في الولاية إن “الطرق المتوهجة مثال على أن السلامة يمكن تحقيقها بالإبداع لا بالإنفاق فقط”، مؤكدةً أن التقنيات الذكية منخفضة التكلفة مثل هذه تسهم في تحسين السلامة المرورية مع تقليل استهلاك الطاقة.
تجارب عالمية وتحديات سابقة
ليست تجربة نيو ساوث ويلز الأولى من نوعها؛ فقد سبقتها:
-
ولاية فيكتوريا الأسترالية (2022):
أجرت تجربة مماثلة لكنها أوقفتها لاحقًا بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية مقارنة بالتكلفة التشغيلية. -
هولندا (2014):
كانت رائدة في تطبيق الفكرة، لكنها واجهت مشكلة تراجع شدة التوهج عند الرطوبة، ما أدى إلى إنهاء المشروع مؤقتًا.
غير أن التطور في تكنولوجيا المواد الفوتولومينسنت الحديثة أعاد الاهتمام بهذه الفكرة، إذ أصبحت أكثر كفاءة واستدامة، قادرة على تخزين ضوء يكفي لتوهج يدوم حتى 10 ساعات متواصلة — خاصة في دول مشمسة كأستراليا.
الطرق المتوهجة: توازن بين الأمان والاستدامة
يقول آدم غرين، خبير النقل في جامعة سيدني للتكنولوجيا:
“الجميل في هذه الفكرة أنها تجمع بين البساطة والذكاء. فبدلاً من إضافة ضوء، جعلنا الطريق نفسه هو الذي يضيء.”
ويرى محللون أن هذه المبادرة تمثل تزاوجًا مثالياً بين الابتكار البيئي والوظيفي، إذ تُقلل من استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية، وتُحسّن في الوقت نفسه مستوى السلامة في الطرق ذات الإضاءة المحدودة.

