الكليجة.. سيدة مائدة العيد العراقية

الكليجة.. حكاية حلوى ولدت من عمق الحضارات
في كل عيد، تعود الكليجة إلى موائد العراقيين، محمّلة بعبق التاريخ ومذاق الألفة. هذه الحلوى، التي تكاد تُعلن قدوم العيد من دون مقدمات، ليست مجرد طقس موسمي، بل هي إرث حضاري يمتد لآلاف السنين، يحمل في طياته رواية شعب ووطن.
جذور تعود إلى بلاد الرافدين
تشير الدراسات والوثائق التاريخية إلى أن أصل الكليجة يعود إلى حضارة بلاد ما بين النهرين، وتحديدًا السومريين والأكديين، الذين اعتادوا إعداد نوع من الحلوى المحشوة بالتمر والمخبوزة على نار الطين في الأعياد والمناسبات الدينية. وقد عُثر في آثار نينوى وأور على نقوش وأشكال مشابهة لما يُعرف اليوم بالكليجة، ما يعزز فرضية قِدمها وعراقتها.
طقس سنوي لا يغيب عن البيوت
تُعد الكليجة إحدى أبرز تقاليد العيد في العراق، إذ تحضر ضيفة دائمة على الموائد كل عام، ولا تكاد تخلو منها البيوت. ويجمع العراقيون على أنها الحلوى المحببة التي لا يُملّ منها مهما طال بقاؤها، فهي تحمل رمزية الفرح والانتماء.
من الطحين إلى الفرن.. مراحل صناعة الكليجة
يُحضّر هذا النوع من الحلوى بعجينة يُخلط فيها الطحين بالدهن والهيل، ثم تُفرش وتُحشى بالتمر أو السكر والسمسم أو المكسرات، وفقًا لما يتوافر في المنزل. وتبدأ طقوس إعداد الكليجة قبل يوم أو يومين من العيد، حيث تجتمع الأسرة، خصوصًا النساء، لتوزيع الأدوار بين عجن وتشكيل وحشو وخَبز، إما داخل البيت أو بإرسال الصواني إلى أفران الحي.
إرث تتناقله الأجيال
الكليجة ليست مجرد وصفة، بل تقليد اجتماعي يعبّر عن روح العائلة العراقية وترابطها. تتوارث النساء طرق إعدادها جيلاً بعد جيل، من الجدات إلى الأمهات فالبنات، في طقس يكرّس التواصل الأسري ويُبقي على جذور الهوية. وبين خطوات التحضير وتبادل الذكريات، تتحوّل الكليجة إلى ذاكرة حيّة، تمنح للعيد نكهته الأصيلة ودفئه المعنوي.