“عام بلا صيف”.. عندما غطّى الثلج أوروبا وأمريكا في شهر يوليو

لم يكن عام 1816 كبقية الأعوام، فقد شهدت الأرض فصلاً صيفياً “لم يأتِ أبداً”، في ظاهرة نادرة أطلق عليها المؤرخون لاحقاً اسم “عام بلا صيف”، بعدما غطّت الثلوج أوروبا وأمريكا الشمالية في منتصف يوليو، وتحولت السماء إلى غيوم داكنة، واختفت الشمس خلف طبقات كثيفة من الرماد البركاني.
صيف مظلم وبارد في نصف الأرض الشمالي
شهدت مناطق نيو إنجلاند في أمريكا الشمالية تساقط الثلوج في عزّ الصيف، بينما عاشت أوروبا أمطاراً متواصلة ورياحاً عاصفة جعلت الجو قاتماً وكئيباً.
كتبت صحيفة نورفولك في ولاية فيرجينيا آنذاك:
“إنه منتصف يوليو ولا يوجد لدينا صيف بعد… بالكاد تظهر الشمس، والهواء بارد لدرجة أننا نلجأ إلى المدافئ.”
وفي ألمانيا وأيرلندا، فاضت الأنهار وتحوّلت الأراضي الزراعية إلى مستنقعات، فيما توقفت الرياح الموسمية في آسيا، لتجتاح المنطقة موجات جفاف قاسية.
أنهار متجمدة وحقول مدمّرة
حتى منتصف الموسم، بقيت الأنهار في بنسلفانيا متجمدة، وهطلت الثلوج على نيويورك وشمال أوروبا، بينما شهدت ألمانيا فيضانات مدمّرة، وتعرّضت أيرلندا لأمطار استمرت ثمانية أسابيع متتالية.
كتب الدبلوماسي الأمريكي جون كوينسي آدامز (الذي أصبح لاحقاً رئيساً للولايات المتحدة) في مذكراته من لندن:
“لم أستطع مغادرة المنزل في أوائل يوليو بسبب الأمطار الغزيرة والرعود المستمرة.”
السبب وراء الكارثة: ثوران بركان تامبورا
ظلّ لغز “العام بلا صيف” محيّراً حتى عام 1920، حين اكتشف العلماء أن سببه يعود إلى ثوران بركان تامبورا في جزيرة سومباوا الإندونيسية في أبريل 1815.
كان الانفجار من أعنف الثورات البركانية في التاريخ، إذ قُدّرت قوته بـ 7 درجات على مقياس الانفجارات البركانية، واستمرّ لأربعة أشهر متواصلة، وخلّف أكثر من 70 ألف ضحية.
انتشر في الغلاف الجوي نحو 150 كيلومتراً مكعباً من الرماد البركاني، ارتفع عموده إلى ارتفاع 40 كيلومتراً، ليحجب ضوء الشمس عن الأرض ويحوّل صيف 1816 إلى شتاء دائم.
مجاعة وأوبئة تهز العالم
تسببت الموجات الباردة في تلف المحاصيل الزراعية واندلاع مجاعات في أوروبا وأمريكا الشمالية، ما أدى إلى انتشار حمى التيفوئيد والكوليرا، واندلاع اضطرابات اجتماعية في عدة دول.
وفي خضمّ المعاناة، ربط الناس آنذاك هذه الكارثة بـ “لعنة حروب نابليون”، معتقدين أن ما يحدث كان عقاباً على سنوات الحروب التي أرهقت القارة الأوروبية.
وهكذا دوّن التاريخ سنة 1816 كأحد أعوام الكوارث المناخية الكبرى، حين حوّل ثوران بركان واحد وجه العالم بأسره، وجعل الصيف موسماً من الثلج والموت والمجاعة.